الدين الإبراهيمي الجديد وهدم الديانات والقيم
بقلم - الإعلامى محمد العزبى
وقد يرى البعض أن الدين ونشر القيم ليس له علاقة بالسياسة الخارجية. ولكن مع تغيير الإتجاه العالمي للسياسة الخارجية، تم توظيف الدين كأحد ركائز الحلول المطلقة لمعضلات سياسية. وبالفعل، تم اختبار ذلك في حيز محدود فيما يسمى بـ"مؤتمرات حوارات الأديان" التي ساهمت في تهدئة أوضاع متأزمة بين الدول، ولكن على نحو نخبوي. لكن إقرار السلام يتطلب حسابات أخرى تكفلت بها مراكز "الدبلوماسية الروحية" التي رأت أن حل الصراعات ممكن إذا أعيد تفسير النصوص الدينية بشكل تنويري يحقق السلام. وعند وجود أي نص عدائي أو يدعو للعنف، يأتي هنا دور القادة الروحيين في إعادة التفسير والتأويل. وذلك الإتجاه ليس بالغريب أو البعيد عن عالمنا المعاصر؛ حيث يطالعنا الإعلام في كل يوم بوجوه جديدة لا ترتدي عباءة رجال الدين، لكن تدعي التنوير والتدين، وتأخذ في إعادة تأويل النصوص الدينية، ونصوص التفسير لتمهيد الطريق لعمل مراكز "الدبلوماسية الروحية" التي تنتشر في مراكز الصراع، وتركز على قيم الود والتسامح، وخاصة ما يختص بالقضايا الشائكة في الشرق الأوسط.
وعلى هذا، تُرسخ في الأذهان فكرة أن الأديان القائمة في شكلها الحالي ما هي إلا مصدر للمتاعب، ويجب إعادة تأويلها بشكل مسهب لدرجة تمنح الدين وقضاياه ميوعة لا يمكن بعدها تمييز قيم دين عن الآخر.
ولتسهيل مهمة "مراكز الدبلوماسية الروحية"، كان من اللازم تقريبها للجمهور من الناس، وتقديمها مدنياً - تحت مسميات مختلفة - على أنها مراكز تنموية تقدم مساعدات مادية وعينية للمتضررين في أماكن الصراع.
وبوصفها مراكز روحية، فإنها تعمل على تقديم الرعاية الطبية، وتقديم المساعدات العينية، وتمول المشروعات الصغيرة. وبالتأكيد، المعين الذي لا ينضب لتلك المراكز هو التمويلات الضخمة التي تتلقاها من صندوق النقد، والبنك الدولي، والإتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة. وشيئاً فشيئاً، يسهل الانصراف عن الأديان السماوية، واستبدالها بالدين الجديد، والذي اتخذ شكلاً ملموساً على أرض الواقع تجسد في اتجاه الكثيرين لاعتناق مجموعة من القيم والأفكار الروحية السامية، دون التطرق لمفاهيم الأديان وتعقيداتها.
توظيف القوى الناعمة في حسم الصراعات لصالح الدول الباحثة عن الهيمنة وبسط النفوذ، يضمن أفضل النتائج بدون تكبد خسائر مادية، أو دفع فاتورة حرب باهظة الثمن. فمن خلال نشر قيم الدين الإبراهيمي الجديد، لن يجد الأفراد غضاضة في تقبل بسط دول أخرى نفوذها عليهم، حتى وإن كانت محفورة في الأذهان كدولة معادية. وبما أن المستهدف هو الجيل الجديد، كان لا بد من تشويه معالم أديان بعينها. ولعل ذلك يجيب التساؤل عن سبب تمكين تيارات الدين السياسي في المنطقة بعد مايسمى بثورات الربيع العربي.
