صوت النيل صوت النيل
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

دنيا ودين ومع رحمة الله وعدله

دنيا ودين ومع رحمة الله وعدله  

دنيا ودين ومع رحمة الله وعدله



بقلم / محمـــد الدكـــرورى


إن من رحمة الله تعالى، وعدله في تشريعه أن كل إنسان مسؤول عن عمله وفعله وإثمه، فلا يؤخذ أحد بجريرة غيره، ولا يسأل أحد عن فعل غيره، ولا تجني كل نفس إلا عليها، فلا يؤخذ القريب بجناية قريبه، ولا تعاقب القبيلة بجريرة واحد منها، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولقد اصطفى الله عز وجل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من ذرية آدم عليه السلام ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وخصّه من بين الأنبياء والرسل بالكثير من الفضائل، مصداقا لقوله تعالى فى كتابة العزيز (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات) وأن معرفة هذه الفضائل هو تقوّي إيمان العباد برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزيد محبته في قلوبهم، فهو سيد الخلق أجمعين، حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سيّد ولد آدم، مصداقا لما رُوي عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال " أنا سيدُ ولد آدم ولا فخر" 


وأن السيّد هو من اتصف بأعظم الأخلاق، وأكمل الصفات، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أفضل الخلق في الدارين الدنيا والآخرة، فبما أنه اتصف بالأخلاق والصفات العظيمة في الدنيا، فقد استحق الدرجات العلى في الآخرة، وقد صرّح رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك ليخبر أمته بعظم منزلته عند ربه عز وجل، ولأن غالبا ما يكون ذكر الإنسان لمحاسنه ومناقبه على سبيل الافتخار، وقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يزيل وهم من ظن من الجهلة أنه يذكر ذلك افتخارا، فقال صلى الله عليه وسلم "ولا فخر" ولقد الإسلام حث على رحمة الصغير والكبير والضعيف، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال " ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر" رواه أحمد والترمذي، وإن الرحمة خلق عظيم، ووصف كريم، أوتيه السعداء. 


وحرمه الأشقياء، وإن الرحمة ضاربة في جذور المخلوقات، ومختلطة بكيان الموجودات الحية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفرس لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، وأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة"  رواه البخاري، فالله عز وجل هو الرحمن الرحيم، وإن الرحمة هى صفة كمال في المخلوق يتعاطف بها الخلق، ويشفق القوي على الضعيف، فيحنو عليه بما ينفعه، ويمنع عنه شره، ويتواد بها بنو آدم، فالرحمة في الفطرة التي خلقها الله، ولكن قد تطمس الفطرة بالمعاصي، فتكون الرحمة قسوة جبّارة ضارة، ومع أن الرحمة فطرة مستقيمة، وصفة عظيمة فطر الله عليها، فقد أكدها الإسلام، وأوجب على المسلمين التحلي بالرحمة والاتصاف بها، لأن الإسلام دين الرحمة. 


فتعاليمه لتحقيق الخير والعدل والرخاء والحق والسلام، والعبودية لله رب العالمين، ولدحض الباطل، واجتثاث جذور الشر، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى كتابه الكريم( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد "ومن لا يغفر لا يُغفر له" وفي الحديث "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" ولقد كان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقبل تصرفات أصحابه.


ويغض الطرف عن الشاذ منهم، ويحول المواقف الصعبة والحرجة إلى طرائف يتندر بها دون أن يضيق صدره، وينفد صبره، كان يضحك في أحلك المواقف، ويبتسم في أصعب الحالات، فـعن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال "كان الرجل يهدي العكة من السمن والعسل وكان لا يدخل إلى المدينة طرفة، أي شيئا طريفا، إلا اشترى منها ثم جاء فقال يا رسول الله هذه هدية لك فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه، فقال يا رسول الله أعط هذا الثمن، فيقول صلى الله عليه وسلم ألم تهده إليّ؟ فيقول ليس عندي، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمر لصاحبه بثمنه" ومن ذلك أيضا، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال، كنت مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه برد غليظ الحاشية فجبذه الأعرابي جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عنقه، ثم قال يا محمد احمل عليّ بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك. 


فسكت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال " المال مال الله وإنما أنا عبده، ثم قال، ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟ قال لا، قال لم؟ قال لأنك لا تكافئ بالسيئة، فضحك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أمر أن يحمل له على بعير تمر، وعلى الآخر شعير، وعن السيده عائشة رضي الله عنها قالت" جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إنكم تقبّلون الصبيان وما نقبّلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟" رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول "لا تنزع الرحمة إلا من شقي" رواه أبو داود والترمذي، وعن السيده عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه" رواه مسلم، بل إن الإسلام شمل برحمته حتى الحيوان البهيم وغيره. 


لأنه دين الرحمة والعدل والسلام، وأمر المسلمين بالتمسك بالرحمة في أرفع معانيها، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال، دخل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، حنّ الجمل وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه، فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رب هذا الجمل؟" فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله، فقال "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه" رواه أحمد وأبو داود، ولقد كان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لم تشغله قيادته للمعارك ومنازلة أعدائه أن يرعى الضعفاء ويرق لحالهم، ويسعى لخلاصهم ويمنع عنهم الاعتداء، فكانت إنسانيته الراقية وحسه المرهف يدفعانه بقوة أن يكون نصير كل مظلوم، وسند كل مقهور وحامي كل مكسور. 


وكان لبني مقرن خادمة فلطمها أحدهم، فجاءت تشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، باكية، فاستدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالكها قائلا له " أعتقوها " فقالوا ليس لنا خادم غيرها فقال صلى الله عليه وسلم " فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها" إنه النبي الإنسان الرفيق الرحيم صلى الله عليه وسلم، الذي جعل فداء اللطمة، وثمن الإهانة أن تنال هذه الجارية حريتها، والنبي صلى الله عليه وسلم، هنا يقرر مبدأ إسلامي أصيل وهو أن رق الإنسان وعبوديته ليس موجبا لحرمانه من حقوقه وتجريده من آدميته والاعتداء على كرامته واعتباره كالسائمة، ولقد كان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عظيم الأدب رفيع الذوق كريما، لا يدع إنسانا أهدى إليه معروفا، أو ساق إليه خيرا إلا كافأه بأحسن ما يكون العطاء فإن لم يجد فبدعوة كريمة، وثناء عطر.



اضغط على علامة الميكروفون للاشتراك فى موقع صوت النيل لتصلك أحدث الأخبار

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لموقع

صوت النيل

2021